تسيب معتق

من علامات التسيب الإداري المهمة التي تلاحظها المجتمعات النامية على أجهزتها العامة عدم تجاوب موظفيها مع اتصالات المواطنين الهاتفية، فالمواطن صاحب الحاجة الملحة وغير الملحة يتصل بالجهة إما لعدم قدرته على الذهاب إليها شخصيا وإما للحصول على رد عن استفسار ما أو إجابة على تساؤل أو توضيح لغموض يكتنف معاملة أو حتى لمعرفة أمر معين لابد من التعرف عليه قبل مراجعة الجهة، لكن شيئا من ذلك لا يتحقق له، لأن جهوده تذهب هباء في الغالب ووقته يضيع وأعصابه تتلف ولا فائدة..
معاناة المواطنين مع الجهات الحكومية كبيرة وقديمة ومتشعبة وتحتاج إلى دراسة ومناقشة
وإذا كانت هواتف تلك الجهات لم تكن ترد في الماضي أو كان رد السنترال يأتي مقتضبا أو لا مباليا فإن الوضع الآن ازداد سوءا بوجود أجهزة الرد الآلي، حيث إن المتصل أصبح يعاني من سماع تلك الأجهزة التي تظل تكرر محتوياتها بدون فائدة، هذه المحتويات قد تتضمن أرقام التحويلات التي يُفترض أن يتصل بها المواطن ولكن لا مجيب في الغالب فيما قد لا يكون هناك أي ذكر لتلك الأرقام مما يدفع المواطن لتكرار الاتصال على الصفر للوصول إلى سنترال الجهة ولا فائدة أيضا، ومما يثبت هذا الذي يحدث – كما نقرأ ونسمع – أن الكثير من المراجعين لتلك الجهات يشاهدون أجهزة الهاتف وهي ترن ولا يرد عليها الموظف القابع أمامهم في الغالب، كما أن بعضهم يشغل الهواتف في مكالمات لا علاقة لها بالعمل مما يضاعف من معاناة المتصلين ويزيد من حدة المشكلة.أعتقد أن وجود هذا التسيب واستمراره منذ سنوات طويلة يعود إلى أسباب عدة أهمها :- انعدام الوازع الديني لدى كثير من الموظفين في الإدارات العامة مما يدفعهم لعدم الاهتمام بإجابة الهاتف أو لعدم الإنصات الجيد للمتحدث وبالتالي عدم تقديم الخدمة.- عدم متابعة الإدارات العليا المسؤولة في كثير من الجهات لهذا الأمر بالذات وعدم الاستماع للشكاوى المرتبطة به أو إعطائها الاهتمام الكافي., - عدم حرص غالبية الموظفين على الاهتمام بتوفر الأداء الجيد وتحمل المسؤولية كما يجب مما يدفعهم لمحاولة التخلص من المتصل إما ( بزحلقته ) وإنهاء المكالمة بأي صورة وإما بعدم الرد تماما.- عدم شعور الموظفين بالانتماء لإداراتهم أو للجهات التي يعملون بها على الأصح، حيث إن صور التقصير هذه تمس سمعة تلك الإدارات وتشوهها ومع ذلك فإنهم لا يبادرون بفعل ما يعطل ذلك التشويه أو يمنعه.فإذا علمنا أن فرصة التقاط خطوط الاتصال خلال وقت الدوام الرسمي تكون أصلا ضعيفة بسبب الضغط الطبيعي فكيف يتمكن المواطن من الحصول على مبتغاه؟! وإذا كان الاتصال من داخل المدينة نفسها متعذرا فكيف يكون الحال عندما يُجري الاتصال من مدينة لأخرى؟! وكيف يتصرف المواطن الذي قد يصل إلى الموظف هاتفيا لكنه لا يستطيع التعرف عليه أو التأكد من معلوماته لامتناع الموظف عن تزويده بالتفسيرات اللازمة مما يجعل حصوله على الرد –إن حصل- غير ذي قيمة؟! إن معاناة المواطنين المرتبطة بالاتصال بالجهات الحكومية كبيرة وقديمة ومتشعبة، ويستطيع أي مسؤول في أي جهة تجربة الأمر بنفسه من خارج الجهاز ليرى كيف يعاني الناس ولماذا تتكرر شكاواهم دون فائدة..الأمر مهم فعلا وجدير بالدراسة والمناقشة واتخاذ ما يلزم..
( الثلاثاء 19/05/1428هـ ) 05/ يونيو/2007 العدد : 2179
صحيفة عكاظ

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية ابراهام ماسلو في الدافعية الانسانية

بحث عن التسيب الإداري - الفصل الأول

ظاهرة التسيب الوظيفي